يوافق اليوم السبت (31 أغسطس الجاري)، بداية السنة الهجرية 1441، التي تعتمد التقويم القمري في دورتها لا التقويم الشمسي الذي تتبعه أغلب بلدان العالم في العصر الحالي.
وتبدأ السنة الهجرية من العام الذي هاجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة سراً، ليشكل الدولة الإسلامية فيها، إذ تعد تلك الرحلة بداية انتشار الإسلام في أصقاع العالم بشكل كبير منذ ذلك الوقت.
ما هو التقويم القمري؟
وتعرف السنة القمرية بأنها المدة التي يحتاجها القمر للدوران 12 دورة حول الأرض، كل دورة تكون شهراً قمرياً واحداً، وتعد التقاويم الهجرية والصينية والعبرية والهندية كلها تقاويم قمرية، إلا أن بعضها أوقف العمل به.
ونظراً لكون الدورة القمرية الواحدة حول الأرض (نسبة للمراقب من الأرض) تستغرق 29.530588 يوماً (تحديداً 29 يوماً و12 ساعة و44 دقيقة و2.8032 ثانية) فإن طول الشهر القمري يكون إما 29 أو 30 يوماً.
وبسبب النقطة السابقة تتقدم السنة الهجرية 11 يوماً كل عام مقارنة بالتقويم الشمسي، ما يجعل الشعائر والمناسبات الإسلامية تقع في فصول وأوقات مختلفة كل عام.
كذلك تتباين رؤية اكتمال دورة القمر بناء على الموقع الجغرافي، ما يعني أن بداية الشهر الهجري قد تقع في مكان ولا تقع في آخر.
عولمة السنة الهجرية
وبسبب الاختلاف الذي كان يحصل بين مجموع الدول الإسلامية حول العالم في تحديد بدايات الأشهر بسبب ارتباطها بالقمر بشكل مستمر، تقدم مجموعة من علماء الفلك عام 2001 للحد من التباين في رؤية الهلال في الدول المختلفة.
ففي أكتوبر عام 2001، اعتمدت فكرة "التقويم الهجري العالمي" في المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني، الذي أُقيم في العاصمة الأردنية عمّان.
وتقدمت لجنة "الأهلة والتقاويم والمواقيت"، التابعة للاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، بفكرة قياس التقويم، وتعتمد على تقسيم الكرة الأرضية إلى نصفين: "النصف الشرقي وهي المنطقة الواقعة (بين خط طول 180 درجة شرقاً، إلى خط طول 20 درجة غرباً).
في حين أنّ "النصف الغربي يشمل المنطقة الواقعة (بين خط طول 20 درجة غرباً، إلى غرب الأمريكيتين)".
ويعمل التقويم الهجري العالمي على رصد الهلال في يوم 29 من الشهر الهجري في أحد بقاع اليابسة في كل منطقة، وحال ثبوت رؤية الهلال (سواء بالعين المجردة أو الأدوات الفلكية) تُعلن بداية الشهر الجديد في اليوم التالي في المنطقة كلها.
في الوقت ذاته لا تعني فكرة هذا التقويم أن تبدأ الشهور الهجرية في كل بقاع الأرض في نفس اليوم، لكنها تحد من التباين في بداية الشهور في الدول بحيث لا تزيد على يوم واحد عالمياً.
تاريخية السنة القمرية
والسنة القمرية لم تبدأ مع الإسلام، وإن كان هو أهم الأسباب في انتشارها واعتمادها لأكثر من 1400 عام، حيث عرفها العرب قبل البعثة المحمدية بعدة قرون.
واتبع العرب قبل الإسلام الحساب القمري، ولكنهم لم يعتمدوا تقويماً خاصاً بهم يؤرخون وفقه أحداثهم، رغم اعتمادهم السنة القمرية بأشهرها الـ12.
كما اعتمدوا في تاريخهم على بعض الأحداث الكبرى؛ مثل تأريخ بناء الكعبة زمن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام نحو عام 1855 ق.م (قبل الميلاد)، وانهيار سد مأرب سنة 130 ق.م تقريباً، أو وفاة كعب بن لؤي الجد السابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة 59 ق.م.
وقد أرخوا برئاسة عمرو بن لحي سنة 260 ميلادية، وبعام الغدر، وبعام الفيل -وهو أشهرها- سنة 571م ، وهي السنة التي شهدت ميلاد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وبحرب الفجار التي وقعت في الأشهر الحرم سنة 585م، وبتاريخ تجديد الكعبة سنة 605م.
وفي الوقت ذاته استخدم جزء من العرب في جاهليتهم الأشهر الشمسية في بعض المناطق، وبخاصة في جنوب الجزيرة (أهل اليمن)، وكانت سنتهم الشمسية متطابقة مع الأبراج الفلكية الـ12 التي تمر بها الشمس، بحيث يبدأ كل شهر مع بداية برج معين، ويعد من أشهر أسماء الشهور في الجاهلية "المؤتمر، ناجر، صوان، حنتم، زباء، الأصم، عادل، نافق، واغل، هراغ، برك".
وتذكر المراجع التاريخية أنّ أسماء الأشهر القمرية اختلفت إلى أن وصلت إلى صورتها المعروفة عليها من عهد الجد الخامس للرسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة 421م.
ويشكل محرم بداية السنة الهجرية، كما كان عليه الحال قبل ذلك في اعتباره أول السنة القمرية، في حين تختتم السنة بشهر ذي الحجة مع انتهاء العرب من مناسكهم في مكة المكرمة.
الإسلام والنسيء
وفي عصر الجاهلية كانت العرب تستخدم نظام النسيء الذي يعطيهم الحق في تأخير أو تسبيق بعض الأشهر المعروفة بالحرم، وهي أربعة (ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب).
وكان النسأة، أي من يتولون شؤون النسيء وهم قبيلة كنانة، يسمون بـ"القلامس"، وكان "القلمس" يعلن في نهاية موسم الحج عن الشهر المؤجل في العام التالي، وفي ذلك يقول قائلهم: "لنا ناسئ تمشون تحت لوائه... يُحِلُّ إذا شاء الشهورَ ويُحرمُ".
ومع مجيء الإسلام حرم عادة "النسيء"، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: "(إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً) سورة التوبة، الآية 37".
وكان العرب يعتبرون كلاً من الشهور الزوجية 29 يوماً ويسمونها ناقصة، وقد حاولوا اعتماد سنة قمرية عن طريق كبس السنة القمرية لتصبح معادلة للسنة الشمسية، ويقول (البيروني والمقريزي): إنهم "كانوا يضيفون تسعة أشهر كل 24 سنة قمرية"، ويقول المسعودي: إنهم "كانوا يكسبون كل ثلاث سنوات شهراً وحداً".
عمر يؤرخ للإسلام
ورغم أن التقويم الهجري يبدأ تأريخه بهجرة النبي من مكة إلى المدينة، لكن العمل به بدأ بعد ذلك بـ17 عاماً.
وكان الخليفة عمر بن الخطاب هو من اعتمد العمل بالتقويم الهجري في الدولة الإسلامية، والذي كان يُعرف من قبل بالتقويم العربي، واكتسب لفظة "الهجري" بعد ربطه بالهجرة النبوية.
ويذكر المؤرخون أنه في السنة الثالثة من خلافة عمر ورد كتاب من أبي موسى الأشعري، واليه على مدينة البصرة، قال فيه: "إنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب فلا ندري على أي نعمل، وقد قرأنا كتاباً محله شعبان فلا ندري أهو الذي نحن فيه أم الماضي".
وفي خضم ذلك جمع عمر مستشاريه من الصحابة للتداول في هذا الأمر، وكان ذلك في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من عام 17هـ، وانتهوا إلى ضرورة اختيار مبدأ التاريخ الإسلامي، وتباينت الآراء؛ فمنهم من رأى الأخذ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من رأى ببعثته، ومنهم من رأى العمل بتقويم الفرس أو الروم، لكن الرأي استقر على الأخذ برأي علي بن أبي طالب، الذي أشار إلى جعل مبدأ التقويم من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد اتخذ أول المحرم من السنة التي هاجر فيها الرسول مبدأ التاريخ الإسلامي.
دلالات
وارتبطت أسماء الأشهر إما بالفصول التي تتزامن معها، أو بأنشطة العرب في كل منها، أو حرمة القتال فيها.
وتعود تسمية أشهر ربيع الأول وربيع الآخر لموافقتها فصل الربيع عند تسميتها، في حين أنّ جُمادى الأولى وجمادى الآخرة وافقت فصل الشتاء عند تسميتها (والكلمة مستمدة من جمود الماء).
ويرتبط شهر "صفر" بخروج العرب للحرب حتى تصفُر البيوت، أي تخلو من أهلها، وشعبان يرمز إلى بدء تشعب العرب ما بين حرب وتجارة بعد قعودهم في رجب.
في حين أنّ شهر رمضان مستمد من الرموض، وهو اشتداد الحر في الوقت الذي سُمي فيه، ويعد أبرز أشهر السنة شهرة.
وتضم السنة أيضاً أشهراً تُعرف باسم "الأشهر الحُرُم"، مثل "ذو القعدة"، الذي يرمز إلى قعود العرب عن الحرب، و"ذو الحجة" فهو شهر الحج، أما "المُحرم" فهو مستمد من تحريم القتال، بينما كان "رجب" مستمداً من "رجب النصال عن السهام"، أي نزعها، في وقت تحريم القتال.